مفهوم الأيديولوجيا بين ماركس ولينين – د. محمد عجلان (1)
أعلن ماركس Karl Marx (1818 – 1883) انتهاء حالة تبعيته لـ “هيجل” Georg W. Hegel(1770 – 1831) التي صاحبت بداياته الفكرية، معلناً الحرب على هيجل وأتباعه، محاولاً النزول من سماء الفكر إلى أرض الواقع، فكانت بداية ثورته مدخلا لتحديد ملامح الأيديولوجيا، والتى يبدو أن مفهومها لم يتحدد لدى ماركس بشكل كاف، لدرجة أن البعض أرجع غموض مفهوم الأيديولوجيا إلى اعتماد العلوم الاجتماعية على المفهوم كما ورثوه عن ماركس، دون إدراك لحقيقة كون ماركس نفسه هو الذي منح المفهوم معنى واسعا أدى إلى غموضه والتباسه ([1]).
فماركس قد استخدم المصطلح بالمعنى الواسع الذى يقارب ما نسميه اليوم بـ “الثقافة” Culture ([2])، فيقول فى الأيديولوجية الألمانية: الأخلاق، الدين، الميتافيزيقا، وكل بقية الأيديولوجيا… وبشكل محدد، فإن بقية الأيديولوجيا هى القانون، السياسة، الأفكار، الصور، والوعى الذى يتلقاه الأفراد من الأحداث والمجتمع، وأخيرا اللغة التى تساهم فى إدراك كل الإنتاج المعنوى أو الذهنى فى الفكر والسلوك ([3]). واستخدم ماركس نفس المفهوم للأيديولوجيا فى كتاب “إسهام فى نقد الاقتصاد السياسي”، حيث يقول: إن الأيديولوجيا تتضمن الأشكال الفلسفية، الفنية، الدينية، السياسية، والقانونية، ويبدو من السياق أنه يوسعه ليشمل العلم. باختصار، فالأيديولوجيا وفقاً لماركس تشمل كل منتجات الحضارة، على حد تعبير جورج جورفيتش.
في الوقت نفسه، فإن فكرة الأيديولوجيا قد تضمنت معنى قدْحياً لدى ماركس. وكما أشار جورفيتش، فإن هذه الدلالة قد وُجدت قبله، إلا أن ماركس وسّعها ونشرها ([4]). حيث يعتبرها فى “الأيديولوجية الألمانية” الوعى الزائف False Consciousness أو المغلوط الذى يتكون للفاعلين الاجتماعيين Actors Social تحت تأثير السيطرة الطبقية والنفوذ السياسى للذين يملكون الثروة والسلطة، فيبرر لهم هذا الوعى المغلوط أن يندمجوا فى النظام الاجتماعى أو التعايش معه. إنها تعادل الاستلاب الذى غالباً ما يكون ثمرة للانفصال بين الإنتاج والحق: إنتاج المنتجين للثروة، وحقهم فى امتلاكها ([5]).
المصادر:
(1) Guy Rocher: A General Introduction to Sociology, A Theoretical perspective (India : B.K.Dhur, academic publishers , 2004 ) P : 100.
(2) حين نوسع المفهوم بالنظر إلى الأيديولوجيا باعتبارها الظاهرة الفكرية والثقافية العامة المؤطرة للمجتمع، تصبح الأيديولوجيا أقرب ما تكون إلى الثقافة المهيمنة أو الثقافة التلقائية للمجتمع. وهذا المعنى يجعلها تماثل ما يدعوه دوركايم بالوعى الجمعي. لكننا نستطيع أن نميز داخل الثقافة بين الثقافة كمعارف وخبرات، والثقافة كتوجيهات أخلاقية وسلوكية وكتأطير اجتماعي للفرد، وهذا الشق الثاني هو الأقرب إلى مدلول الأيديولوجيا أو هو الوجه الأيديولوجي للثقافة. انظر فى ذلك، محمد سبيلا: الأيديولوجيا، نحو نظرة تكاملية، ط1 (بيروت: المركز الثقافي العربي، 1992) ص: 14.
(3) Guy Rocher: A General Introduction to Sociology, A Theoretical perspective, op. cit, P :101.
(4) Ibid, the same position.
(5) عبد الغنى عماد: سوسيولوجيا الثقافة، المفاهيم والإشكاليات من الحداثة إلى العولمة، ط1، مرجع سابق، ص: 68.