كثيرًا ما يُثار نقاش وجدل حول موقع الكعبة قبلة المسلمين في المسجد الكرام بمدينة مكّة، وكيف أنها تُمثّل، أو لا تُمثّل مركز سطح الكرة الأرضية. وعلميًا الكعبة لا تقع في مركز سطح الكرة الأرضية أو في موقع متوسط لليابسة، لكن موقعها مع ذلك لا يزال مُعجزة؛ لتوافقه مع ما يُطلق عليه «النسبة الذهبية».
ليست مركز العالم
في عام 2012 نشر موقع قناة العربية باللغة الإنجليزية تقريرًا يزعم أن دراسات علمية حديثة أثبتت أن الكعبة هي مركز العالم، لكون زواياها الأربعة تشير بالضبط نحو الاتجاهات الأربعة الرئيسة للبوصلة، وعليه تسمى كل زاوية طبقًا للاتجاه الذي تشير إليه.
وتتمثل الزاويتان الأساسيتان للكعبة في الحجر الأسود والركن اليماني؛ لأنهما وفقًا للعقيدة الإسلامية بُنيا وفقًا للأسس الإبراهيمية الذي رفع قواعد الكعبة، ثم أضافت قبيلة قريش الزاويتين العراقية والشامية.
وما يُضعف من صحة هذه الفرضية، أولًا عدم تقديم أي إثبات علمي لها، ثانيًا أنه بنفس طريقة التفكير يُصبح هرم خوفو في مدينة الجيزة المصرية هو أيضًا مركزًا للعالم؛ بسبب محاذات جوانب قاعدته الأربعة للجهات الأصلية للبوصلة، على أساس الشمال الحقيقي، وليس الشمال المغناطيسي.
أما المركز الجغرافي للأرض، أو ما يُسمى بالمركز الهندسي لكل اليابسة على سطح الأرض أو المركز السطحي لتوزيع كتلة اليابسة، فوفقًا للقياسات الجغرافية العلمية، هو مدينة تشوروم التركية الواقعة في منتصف هضبة الأناضول، وفقًا لخرائط «جوجل» التي قالت: إن المركز الجغرافي للأرض هو الموقع «40 ° 52’N 34 ° 34’EEE» طبقًا لخطوط الطول ودوائر العرض.
وكانت بعض الدراسات الأخرى أوضحت أن مدينة تشوروم هي بالفعل المركز الجغرافي للأرض، فوفقًا للحسابات التي قدمها الفيزيائي أندرو جيه وودز في عام 197333 في سان دييغو بكاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن المركز الجغرافي للأرض يقع على بعد 150 كيلومتر جنوبي شرق العاصمة التركية أنقرة.
وعبر عملية حسابية جديدة أجريت عبر النموذج السطح الرقمي العالمي من قبل هولجر إزنبيرج في عام 2003، جرى تعديل مركز سطح الأرض ليكون في مدينة تشوروم بمحافظة تشوروم التركية.
النسبة الذهبية
إذا كانت الكعبة لا تقع بالفعل في مركز سطح الأرض، فهذا لا يعني أن المعجزة انتفت تمامًا عن موقعها، فمن بين الجدل الذي يدور حول موقع الكعبة، كان ذلك المتعلق بكونها تحقق ما يعرف باسم النسبة الذهبية، وهي رقم خاص نحصل عليه عبر تقسيم خط إلى قسمين، بحيث يكون ناتج قسمة طول الجزء الكبير على الجزء الصغير مساوٍ لناتج قسمة طول الخط كله على طول الجزء الكبير. وغالبًا ما يرمز لهذا الثابت باسم «فاي – phi»، ويوضح هذا الأمر من خلال تطبيق هذه المعادلة:
a/b = (a+b)/a = 1.6180339887498948420
وكما هو الحال مع الثابت الرياضي باي (نسبة محيط الدائرة إلى قطرها)، فإن ناتج القسمة لا يعطينا رقمًا نهائيًا واضحًا، لكن ستستمر الأرقام العشرية في التزايد إلى مالا نهاية من الناحية النظرية. وعادة ما يجري تقريب فاي إلى الرقم 1.618. وقد اكتشفت هذه النسبة أو هذا الرقم في العديد من المناسبات، وهذا هو السبب في أن لديه الكثير من الأسماء مثل المتوسط الذهبي، والقسم الذهبي، والنسبة الإلهية، وما إلى ذلك.
من الناحية التاريخية، فإن العدد يمكن أن يشاهد في بنية العديد من الإبداعات القديمة، مثل أهرامات الجيزة في مصر ومعبد البارثينون في أثينا. ففي الهرم الأكبر في الجيزة، طول كل جانب من القاعدة هو 756 قدم، وارتفاع الهرم 481 قدم، وبالتالي تكون نسبة القاعدة إلى الارتفاع حوالي 1.5717، وهو ما يقارب النسبة الذهبية.
فيدياس (432 ق.م 500 ق.م) وهو نحات وعالم رياضيات يوناني، يُرجّح تطبيقه الرقم فاي على تصميم التماثيل الموجودة في الباراثينون. وكان أفلاطون يعتبر أنّ النسبة الذهبية أكثر العلاقات الرياضية تعلقًا بالطبيعة والكون، وفي وقت لا حق استخدم إقليدس النسبة الذهبية في البناء الخماسي (pentagram).
وحوالي عام 1200 ميلادية اكتشف عالم الرياضيات ليوناردو فيبوناتشي الخصائص الفريدة من نوعها لما يسمى بسلسلة فيبوناتشي (Fibonacci sequence). هذا السلسلة تربطها علاقة مباشرة بالنسبة الذهبية؛ لأنك إذا أخذت أي رقمين متعاقبين في سلسلة فيبوناتشي، ستجد أن نسبتهم قريبة جدًا من النسبة الذهبية. كما أنه كلما زادت الأرقام في السلسلة، كلما أصبحت النسبة أقرب إلى 1.618. على سبيل المثال، فإن نسبة خمسة من ثلاثة هي 1.666. ولكن نسبة 21 من 13 هي 1.625. وإذا تقدمنا لأعلى أكثر، فإن نسبة 233 من 144 هي 1.618. هذه الأرقام كلها أرقام متتالية في سلسلة فيبوناتشي.
ويمكن تطبيق هذه الأرقام إلى تناسب المستطيل، ويسمى المستطيل الذهبي، ويعرف بأنه واحد من أكثر الأشكال البصرية إرضاء للعين، وهنا تكمن أهمية النسبة الذهبية في الفن، ففي عصر النهضة، اعتمد فنانون على النسبة الذهبية في بعض أعمالهم الفنية، ومنها لوحة الموناليزا للرسام الإيطالي الشهير ليوناردو دا فينشي الذي شرح كتابًا ألّفه الكاهن الإيطالي لوكا باشيولي عن النسبة الذهبية بعنوان «De divinaproportioneee» أو «التناسب الإلهي».
وصيغ مصطلح «فاي» من قبل عالم الرياضيات الأمريكي مارك بار في القرن العشرين، وواصل رقم فاي ظهوره في الرياضيات والفيزياء بما في ذلك عمليات وضع القرميد والبلاط في سبعينات القرن الماضي، والذي سمح للأسطح أن تجانب بعضها في تماثل خماسي.
فاي هو أكثر من مجرد مصطلح غامض وجد في الرياضيات والفيزياء، فهو من حولنا في الكثير من تفاصيل حياتنا اليومية، حتى في وجهات نظرنا الجمالية. وأظهرت دراسات أنّه عندما عرض على مجموعة من الناس وجوه عشوائية كانت أكثرها جاذبية وفقًا لهم التي تحقق النسبة الذهبية، ويُحكم على الوجوه بأنها الأكثر جاذبية إذا ظهرت فيها النسبة الذهبية بين عرض الوجه وبين عرض العينين والأنف والحاجبين.
الكعبة تحقق النسبة الذهبية
هناك من المسلمين من يقول إن موقع الكعبة يحقق هذه النسبة، ولتأكيد الأمر أجرى موقع سكاي نيوز عربية تجربة باستخدام تطبيق جوجل إيرث. وأظهر الفيديو التالي قياس المسافة بين الكعبة والقطب الجنوبي، وتبلغ 12361.17 كيلومترًا، ثم قيست المسافة بين الكعبة والقطب الشمالي، لتبلغ 7639.50 كيلومتر، وعند تقسيم الرقم الأوّل على الثاني تكون النتيجة 1.618 وهي تمامًا النسبة الذهبية، ويمكن لأي شخص القيام بهذه التجربة بنفسه، وستكون النتيجة دومًا 1.618 التي هي النسبة الذهبية.
لكن مقطع الفيديو هذا ليس تأكيدًا نهائيًا؛ لأن أية نقطة توجد على نفس دائرة العرض التي توجد عليها الكعبة ستحقق أيضًا نفس النسبة. لذلك لجأت سكاي نيوز عربية لحساب موقع الكعبة بالنسبة لخطوط الطول، وهو ما لا يمكن تنفيذه عبر جوجل إيرث، لكنه يحتاج إلى خريطة مسطحة.
يمكنك أن تجري نفس التجربة عبر الحصول على خريطة دقيقة مسطحة من خرائط «ناسا» على سبيل المثال، وتقوم بتطبيق النسبة الذهبية على طول الخريطة وعرضها، لتحصل على نفس النسبة بالفعل.
وطبقًا لما ذكرته سكاي نيوز فإنّه «عند تقسيم الخريطة إلى قسمين بشكل أفقي وفقًا للنسبة الذهبية يمر الخط الذي يقسم الخريطة من مكة المكرمة، وعند تقسم الخريطة إلى قسمين بشكل عمودي وفقًا للنسبة الذهبية فإن الخط الذي يقسم الخريطة يقاطع الخط السابق في موقع مدينة مكة المكرمة، كما يظهر في الخريطة التالية»، وبذلك يكون موقع الكعبة، الوحيد على الكرة الأرضية الذي يحقق النسبة الذهبية طولًا وعرضًا.