ترشِّح عدد من الدراسات العلمية طرقًا لتعلم لغة جديدة، وتتضمَّن تلك الطرق استخدام الإيماءات في التعلم، وتهديد النفس بالمعاقبة، والتعلم قبل النوم وأثناءه، وهي طرق تزيد من مصداقيتها وفاعليتها الدراسات العلمية التي تدعمها.
1- تعلّم الاستماع والتحدث بالتركيز على دراسة «المحتوى»
تتنوع طرق ووسائل تعلُّم اللغة الجديدة، ومن بين تلك الطرق، طريقة تعتمد في التعلم على دراسة «المحتوى» والموضوعات باللغة المراد تعلمها، وأخرى تعتمد على دراسة «اللغة» في حد ذاتها وقواعدها.
وفي هذا الصدد أجرت جامعة كامبريدج دراسة علمية بين الطريقتين: الطريقة الأولى التي تعتمد على دراسة «المحتوى»، والطريقة الثانية التي تعتمد على دراسة «اللغة» وقواعدها بشكلٍ تقليدي، وجرت الدراسة على مجموعتين من الطلاب الذين يتعلمون اللغة الفرنسية.
وأظهرت الدراسة أن المجموعة التي ركَّزت في تعلمها للغة الفرنسية على «المحتوى»، أدوا بشكلٍ أفضل من المجموعة الثانية التي ركزت على «اللغة» وقواعدها، في مهارتي « الاستماع» و«التحدث»، كما أنهم كانوا أكثر تحفزًا للتعلم.
2- العكس: تعلّم القراءة والكتابة بالتركيز على دراسة «اللغة»
وفي المقابل، فإن طريقة التعلم التقليدية التي ارتكزت على تعلم «اللغة» وقواعدها كانت لها إيجابيات أيضًا، إذ أظهرت نفس الدراسة أن الطلاب الذي ركزوا في طريقة تعلُّمهم الفرنسية على «اللغة» وقواعدها، كانوا أكثر تميزًا في مهاراتي «القراءة» و«الكتابة»، من نظرائهم الذين ركزوا في طريقة تعملهم الفرنسية على «المحتوى».
وبذلك يمكن إجمال نتائج دراسة جامعة كامبريدج، بأن التعلم بالتركيز على «المحتوى» يعطي نتائج أفضل في إتقان مهارتي «الاستماع» و«التحدث»، فيما يؤدي التعلم بالتركيز على «اللغة» نتائج أفضل في إتقان مهارتي «القراءة» و«الكتابة»، لذلك فإن كل طريقة تكمل الأخرى لتعلم المهارات الأربعة المرتبطة باللغة.
ولذلك فعندما يُلم الفرد بقواعد اللغة جيدًا، يستطيع أن يبدأ في التعرض للمحتوى والموضوعات التي يفضلها باللغة الجديدة، عن طريق الاستماع لمحطات الراديو والتسجيلات الصوتية، ومشاهدة المقاطع المرئية على الإنترنت، وقراءة التقارير والكتب، ومحاولة ممارسة اللغة مع الأصدقاء.
3- تعلم اللغة باستخدام «الإيماءات»
يساعد استخدام الإيماءات التوضيحية للكلمات على تثبيت معنى الكلمة في الأذهان بشكلٍ أفضل، ففي دراسة تعود لعام 2012، اخترعت الباحثتان مانويلا مقدونيا وكريتيسين، لغة مزيفة جديدة تحمل اسم «فيمي» لأغراض تجريبية مرتبطة بالبحث العلمي، وأتيا بعشرين طالبًا لتعلم «فيمي».
قسّمت الباحثتان كلمات اللغة إلى شقين: الشق الأول يحتوي على كلمات تم تعليمها باستخدام الإيماءات، والشق الآخر لم تُستخدم الإيماءات في تعلمه، وتبين من خلال الدراسة، أن الكلمات التي تعلمها الطلاب باستخدام الإيماءات، علقت في أذهانهم أكثر من تلك الكلمات «المجردة» التي يصعب تمثيلها بالإيماءات مثل كلمة «نظرية» على سبيل المثال.
وبذلك، فقد خلصت الباحثتان في دراستهما العلمية، إلى أن الإيماءات تعزز التمثيل الحسي للكلمة أو العبارة، مما يعزز تذكرها ويجعلها عصية على النسيان، وتنصحان باستخدام الإيماءات قدر الإمكان أثناء تعليم اللغة.
4- عاقب نفسك!
ربما يكون عقاب الذات طريقة غير مألوفة لتعلم اللغات، ولكنها قد تكون مجدية، وأنتج تلك الطريقة منيش سيثي، الرحالة الذي يتقن أربع لغات (الإيطالية والبرتغالية والإسبانية والألمانية)، وتعتمد تلك الطريقة على حقيقة أن المنبهات السلبية التي يمر بها الإنسان تساعده على تطوير ذاته.
تلك الحقيقة دعمتها دراسة أجراها قسم علم النفس ومركز العلوم العصبية في جامعة نيويورك، كشفت أن استجابة جسد الإنسان للتهديد يقوي ذاكرته، وخلال تلك الدراسة العلمية، فقد استخدموا صدمات كهربائية (آمنة) وخفيفة في التجريب.
واعتمدت الدراسة على جعل المشاركين يصنفون 60 صورة: ما إذا كانت «جمادًا» أم «حيوانًا»، وبعض المشاركين تلقوا صدمات كهربائية مع صور «الحيوانات»، وآخرون تلقوها مع صور «الجماد»، وخلصت الدراسة إلى أن الصدمات الكهربائية تحسن القدرة على التذكر وحفظ الكلمات، لأن الجسم يعتبر تلك الصدمات تهديدًا له فيزداد الوعي لديه.
رسم يظهر تأثير الصدمة الكهربائية الإيجابي في التذكر
5- «أدومه وإن قلّ»
دائمًا ما يؤجِّل العديد من الطلاب دراسة مادة معينة حتى الأيام الأخيرة التي تسلف يوم الاختبار، ومن ثم يذاكرون كمًّا هائلًا من المضمون استعدادًا للاختبار في فترةٍ وجيزة، هذا الأسلوب قد يمكِّنهم من اجتياز الاختبار ، ولكن مع انتهاء وقت الاختبار قد ينسون ما تعلَّموه في تلك المادة خلال فترة وجيزة؛ لأن المعلومات ببساطة حفظت في الذاكرة قصيرة الأمد، ولم تنتقل للذاكرة طويلة الأمد، من خلال مراجعتها المتكررة.
ولذلك يُنصح عند تعلم لغة جديدة، دراستها وممارستها يوميًّا بشكل دائم وإن كانت لمدد زمنية قليلة، أفضل من تكثيف تعلم اللغة مرة أو مرتين أسبوعيًّا بمدة زمنية أطول، إذ تفيد دراسة علمية بأن الذاكرة قصيرة الأمد لديها سعة قليلة لتخزين المعلومات، تتجدد كل يوم بعد النوم، ومع تكثيف كمّ كبير من التعلم في وقت قصير في اليوم الواحد، فإن ذلك قد يتعدى سعة التخزين في ذاكرة الإنسان.
رسم يوضح تأثير المراجعة في إطالة مدة تخزين المعلومات (المصدر: لايف هاك)
ولذلك، فإن تعلم اللغة لفترات قصيرة يوميًّا، المصحوب بالتكرار على فترات زمنية متباعدة، يمثل أفضل استغلال لسعة التخزين في الذاكرة قصيرة الأمد لدى الإنسان.
6- قبل النوم
يعد أحد أهم العوامل في تعلم اللغة، هو توقيت تعلمها ودراستها وممارستها، وفي هذا الصدد تنصح دراسة علمية بتعلم اللغة قبل النوم، إذ يعزز النوم القدرة على التعلم، بنقل المعلومات التي تم تعلمها قبل النوم من الذاكرة قصيرة الأمد إلى الذاكرة طويلة الأمد.
وبمجرد وصول المعلومات إلى الذاكرة طويلة الأمد، فإنها تخزن بأمان لفترات أطول، ومع مراجعة المعلومات بشكل متكرر على فترات زمنية متباعدة، تتحسن العلاقة بين الذاكرة قصيرة الأمد، والذاكرة طويلة الأمد؛ مما يطور القدرة على تذكر المعلومات بشكل أسرع وأكثر دقة.
ومن خلال الدراسة التي أجرتها جامعة كاليفرونيا، فقد أتى الباحثون بـ39 شابًا انقسموا إلى مجموعتين، مجموعة أخذت قيلولة مدتها 90 دقيقة، بعد التعلم في الساعة الثانية مساءً، والأخرى ظلت مستيقظة، وبحلول الساعة السادسة مساءً، أجرى الباحثون تدريبات واختبارات لكلا المجموعتين على ما تعلموه قبل الثانية مساءً.
اللون الأخضر يعبر عن قوة الذاكرة للأشخاص الذين أخذوا قيلولة (المصدر: جامعة كاليفرونيا)
وتبين من خلال نتائج الاختبارات بأن المجموعة التي ظلت مستيقظة كانت أسوأ في التعلم، في الوقت الذي ظهر فيه أن المجموعة التي أخذت قيلولة كانت أقوى في التعلم ، والتذكر بنسبة تصل إلى 40%.
7- أثناء النوم أيضًا!
يلعب النوم دورًا محوريًّا في تعلم اللغات، لا يتوقف فقط على دوره الإيجابي في تعلم اللغة قبل الذهاب إلى النوم، وإنما يمتد لما هو أبعد، وربما أغرب، بدوره في تعلم اللغة «أثناء» النوم!
قد يبدو الأمر ضربًا من الخيال، ولكن دراسة علمية سويسرية للباحث بيورن راش تؤكد ذلك، فمن خلال الدراسة التي نشرت في يونيو (حزيرن) 2014، درس مجموعتان من المتحدثين بالألمانية عددًا من الكلمات الهولندية، قبل النوم، وأثناء النوم شغّل الباحث تسجيلات صوتية بالكلمات التي تعلموها قبل النوم،جانب إحدى المجموعتين، في حين نامت الأخرى دون تشغيل تسجيلات صوتية بتلك الكلمات جانبها.
وبعد استيقاظ المجموعتين، أدت تلك المجموعة التي شغّل الباحث بجانبها تسجيلات صوتية أفضل بشكل ملحوظ في اختبارات الكلمات الهولندية، من المجموعة الأخرى التي نامت دون تشغيل تسجيلات صوتية للكلمات بجانبها!
المصدر: ساسة بوست