خلال السنوات التي رافقت -وماتزال- سيطرة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، ومن بعده ابنه بشار على الحكم في سوريا، دائماً ماترافق الحديث عن الطائفة العلوية في سوريا بالحديث عن السياسة، والحكم، وأجهزة الأمن. أدى ذلك بالإضافة إلى عوامل أخرى، إلى شح المصادر التي تتحدث عن البعد التاريخي والديني للمذهب العلوي بمعزل عن الأخذ والرد في السياسة، الأمر الذي زاد الغموض حول تلك الطائفة، والتي تعتبر في الأصل من أكثر الطوائف إثارةً للجدل عبر تاريخ الدولة الإسلامية.
من هم العلويون؟ وماهو تاريخهم؟ وماهي عقيدتهم؟ وهل يدينون بالإسلام؟ سأترك الحكم لك بعد قراءة النقاط التالية التي تختصر تاريخهم وعقيدتهم منذ نشأتهم وحتى نهاية الانتداب الفرنسي على سوريا، وذلك دون الدخول في فترة حكم البعث لسوريا، والتي يشوبها الكثير من الأخذ والرد، بما يتعارض مع سياسة تحرير عشرات.
10 – النصيرية
الطائفة النصيرية (العلوية) هي فرقة من فرق الشيعة. ولقب “الشيعة” اصطلاحاً هو وصف لمجموعة المسلمين الذي يعتقدون بأن الخلافة بعد رسول الله يجب أن تنحصر في قريش حفاظاً على عروبتها، وتحديداً في علي بن أبي طالب وذرّيته من بعده.
ذرية علي بن أبي طالب هي ولديه الحسن والحسين، ومن بعدهم الأئمة التسعة. وقد اختلف الشيعة فيما بينهم لاحقاً فيمن يحق له الخلافة من ذرية علي، فنشأت الطائفة الاسماعيلية التي تقول بإمامة الحفيد السابع، والاثني عشرية التي تقول بإمامة الحفيد الثاني عشر، والجعفرية التي تقول بإمامة جعفر الصادق.
أما أصل الطائفة العلوية النصيرية فيرجع الى محمد بن نصير البكري النميري، وهو عابد ظهر في زمن الامام العسكري (الإمام الحادي عشر) في نهاية حكم الدولة العباسية وبداية حكم الأتراك. يعتقد العلويون أن النصيري هو الباب الشرعي للإمام العسكري . وفي المصطلحات الشيعية فإن لفظ “الباب” يعني الوريث الروحي لجميع تعاليم الإمام، والايمان به هو من اصول العقيدة كما سيرد لاحقاً.
9 – التواجد الجغرافي
كان مرجع العلويبن بعد النصيري لمحمد بن جندب، ثم إلى عبد الله بن محمد الجنبلاني الذي استقر في الكوفة في العراق، وبعده تولى رئاسة الطائفة الحسن بن محمد الخصيبي الذي كان يقيم في حلب في سوريا أثناء حكم الحمدانيين. أسس الخصيبي في حلب مركزاً لإداة شؤون الطائفة الدينية، وظل يتولى ذلك المنصب حتى وفاته، حيث مايزال قبره هناك.
كان من تلامذة الخصيبي سيف الدولة الحمداني، وأبو فراس الحمداني قادة الدولة الحمدانية في حلب. بعد حملة هولاكو على حلب تهدم مركز الطائفة هناك، وانتقل بعدها إلى اللاذقية في سوريا. كان رئيس الطائفة في سوريا سرور بن قاسم الطبراني، وهو الذي أسس لدعائم المذهب العلوي في جبال اللاذقية وتوفي هناك. منذ ذلك الوقت تعد جبال اللاذقية في سوريا مقرأً أساسياً لأفراد الطائفة العلوية، بالإضافة إلى تواجدهم في إيران وتركيا و لبنان و فلسطين والمغرب. وفي العصر الحديث حدثت عدة موجات من الهجرة إلى أوروبا وأمريكا.
8 – العصور التي مرت على العلويين
تعتبر الفترة التي حكم فيها الحمدانيون حلب والموصل من أكثر الفترات التي تمتع فيها العلويين بحقوقهم المدنية في الدولة، فمن المعلوم أن الدولة الحمدانية كانت علوية. بعد سقوط الدولة الحمدانية واستيلاء الفاطميين عليها انعزل العلوييون وتم إبعادهم عن مناصب الدولة، وكذلك تم عزلهم في أيام حكم الأيوبيين.
عند وصول المماليك للحكم تعرض العلويون لأكبر حملة تطهير في تاريخهم على يد السلطان محمد بن قالوون، وذلك استناداً للفتوى الشهيرة التي أصدرها ابن تيمية بتكفيرهم وإخراجهم من الإسلام. في أيام الحكم العثماني للدولة الإسلامية، وتحديداً في عهد السلطان سليم الأول، تم إصدار مايسمى الفتاوى الحامدية، والتي أخرجت العلويين عن الإسلام أيضاً، وقالت بوجوب قتالهم وقتلهم. بعد انتهاء تلك العاصفة بدأ العلويين من جديد بالتجمع والاعتزال في الجبال خوفاً على أنفسهم. في العصر الحديث، وبعد انتهاء الحكم العثماني وبداية عهد الانتداب الفرنسي لسوريا، بدأ العلويون شيئاً فشيئاً بالخروج من عزلتهم، وانخرط شبابهم في الجيش الفرنسي، وارتبط مصيرهم بمصير فرنسا، حيث كان يتم إرسال العديد من شبابهم للقتال في أوروبا للدفاع عن مصالح الجمهوية الفرنسية.
7 – أصل التسمية
التسمية التاريخية للطائفة هي الشيعة النصيرية، وذلك لتمييزها عن الشيعة الجعفرية (في تركيا). وكما أسلفنا، فإن هذا الاسم يرجع لصاحب المذهب محمد بن نصير. أما لقب العلويين، فهو اسم أطلقه الانتداب الفرنسي على الطائفة في عام 1920. وهو اللقب الذي صاحب دولتهم التي أقامتها لهم فرنسا بين عامي 1920 إلى 1936 على الساحل السوري (محافظتي اللاذقية وطرطوس في سوريا اليوم)، وأطلق عليها اسم الدولة العلوية. كان سكان الدولة العلوية من السنة والعلويين والمسيحين وقليل من الاسماعيلية. تم ضم الدولة العلوية مجدداً إلى سوريا عام 1937 بعد اعتراض عدد من وجهاء العشائر على الانفصال عن الوطن السوري.
6 – أصول الدين
وهي الجزء الأهم من العقيدة العلوية، وذلك في تمييزها عن فروع الدين. أصول الدين هي مايجب على كل منتمي للطائفة أن يعرفه ويجزم به بالعمل، لا بالظن والتقليد. وذلك لتفريقها عن فروع الدين التي يخير الشخص في معرفتها بالدليل والعلم، أو بتقليد العالم المجتهد العادل. معظم الشباب العلويين يختاوون طريق التقليد، ويبتعدون عن التعليم الديني، وهذا ماساهم لاحقاً في قلة شيوخ الطائفة، وقلة كتبها، ومراجعها، مما جعلها مجهولة بالنسبة للغرباء عنها، وساهم لاحقاً في إصدار الفتاوى المختلفة في حقها.
أصول الدين عند العلويين خمسة:
التوحيد وهي الاعتقاد بوجود إله واحد خالق للعالم للكون. وهو نفس تعريف التوحيد الذي تشترك فيه جميع الطوائف الأخرى في الدين الاسلامي.
العدل: وهي الاعتقاد بأن الله تعالى عادل ومنزه عن الظلم وعن القبائح
النبوة: وهي الاعتقاد بأن الله يرسل الأنبياء إلى البشر لتبليغ رسالته، والاعتقاد بأن جميع الانبياء معصومون عن الخطأ.
الإمامة: وهي الإيمان بان مصلحة البشر تقتضي وجود إمام يخلف النبي من أجل المحافظة على تطبيق أحكام الدعوة الإلهية والبت في الأمور الجديدة. والإمام يجب أن يكون مسمى بنص صريح، وكل إمام يجب أن يسمي الإمام الذي يخلفه بنص صريح أيضأ، وجميع الأئئمة معصومون عصمة الأنبياء. والاعتقاد بأن الإمام بعد رسول الله هو علي ومن بعده الحسن والحسين ثم تسعة أئمة من ذرية الحسين، أولهم زين العابدين و آخرهم الإمام الثاني عشر، المسمى المهدي، والذي سيظهر آخر الزمان.
المعاد : وهو الاعتقاد بيوم القيامة والحساب والعقاب والحياة بعد الموت.
5 – فروع الدين
وهي كثيرة، من أهمها الصلاة (وهي 17 ركعة في اليوم والليلة)، والصيام ( في رمضان)، والزكاة (وهي خمس الفائض من الدخل)، والحج ( من استطاع)، والجهاد ( وهو فرض كفاية)، والأذان والإقامة ( تختلف عن الأذان عند السنة في “حيّ على خير العمل”)، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها مما لايتسع المقام لذكره هنا.
يستخدم العلويون في البت في فروع الدين أربعة كتب مشهورة تتضمن سيرة الرسول والأئمة الاثني عشر وتفسيرهم للقرآن و تعليقهم عليه وعلى الحديث النبوي، هذه الكتب هي كتاب “الكافي في الأصول والفروع”، “تهذيب الأحكام”، “الاستبصار”، و”من لا يحضره الفقيه”.
4 – مصاد ر التشريع:
وهي أربعة:
القرآن: وهو المصحف المتداول بين المسلمين، وهو باعتقادهم كلام الله الكامل وغير المحرف.
السنة النبوية: وهي ماثبت عن النبي من قول أو فعل أو تقرير، ويلحق بها ماثبت عن الأئمة قولاً وفعلاً
الإجماع: وهو ما أجمع عليه المسلمون من أحكام الدين، حتى لو خفي على العامة مسنده من الكتاب والسنة.
العقل: وهو حجة، و يقتصر استعمال الدليل العقلي في الفقه على المجتهد فقط، وهو من لديه المؤهلات والمعرفة لاستنباط الأحكام.
3 – المذهب العلوي
إن المذهب العلوي (تم اعتبار العلويّة مذهب، وليست طائفة، حتى استقلال سوريا ) هو كبقية المذاهب الشيعية، يفضل أصحابه علياً عن غيره، وهو لم يخرج في تشريعه وتعاليمه عن النطاق الاسلامي، إلاّ أن بعض الغلو تسرب إليه بسبب القمع الذي تعرض له أصحابه خلال تاريخ الدولة الاسلامية، والذي أدى بأصحابه للاعتزال في الجبال، وممارسة طقوسهم، وعدم رغبتهم بالاختلاط بفئات المجتمع الأخرى، وكذلك عدم رغبتهم بالدعوة أو التبشير لمذهبهم أو دعوة أحد من الخارج إليه. إن هذا الاسلوب ونمط الحياة مع الوقت جعل تعاليم المذهب تكون محصورة فقط في شيوخ الطائفة و ليست بيد العامة الذين كان الفقر دائما يشغلهم عن طلب العلم الديني، والانشغال بطلب الرزق. كما أدى ذلك إلى عدم وجود مراجع تشرح المذهب العلوي، و كذلك إلى انتشار ممارسة التقية، وهي إخفاء الدين من أجل السلامة.
إن اعتزالهم في الجبال أدى إلى تفسير الدين الاسلامي بطريقة مختلفة عن المذاهب الأخرى، ولاسيما أنهم يقولون بالاجتهاد في تفسير القرآن (الباطنية)، مما جعل بقية المذاهب تارة تخرجهم من الدين الاسلامي، وتارة تنسبهم إلى النصرانية أو إلى أديان أخرى. كما جعل ذلك بعض الغلو يتسرب إلى بعض الطوائف ضمن العلوية مثل (الحيدرية والكلازية)، والتي تقول بتأليه علي بن أبي طالب، وأنه هو الرسول، و ما إلى ذلك مما لم ثبت في أي كتاب ومرجع من مراجع المذهب العلوي.
لا يمكن أبداً فهم العقيدة العلوية دون فهم العلاقة بين الدين الاسلامي والفلسفة، والتي يحاول العلويين دوماً التوفيق بينها. فالعقل مقدس، وهو أحد مصادر التشريع، ولكن يقتصر استخدامه على شيوخ الطائفة، أو على من تلقى العلم الذي يسمح له بتفسير النصوص، هذا النصوص الذي قد يكون غائباً أو مغايراً لفهم العامّة، وهذا مايطلق عليه “الباطنية”.
كما أن فكرة فصل الدين عن المجتمع تعد أساسية عند العلوين، حيث لا يوجد مرجعية دينية لديهم، وهناك رفض عام لتدخل رجال الدين في المجتمع، كما يعد العلويون من أكثر الطوائف انفتاحاً، وخصوصاً مع انتشار الفكر العلماني واليساري في سوريا بعد الاستقلال.
2 – الاختلاف مع الشيعة الامامية
حسب شيوخ الطائفة العلوية فإن الفروقات بين العلويين وبين الشيعة الإمامية هي في النقاط الأساسية التالية:
العلويون لا يعبرون عن حزنهم في كربلاء بالطريقة التي يعبر عنها الشيعة.
العلويون لا يحبذون زواج المتعة وإن كانوا لا يحرّمونه، بيد أنهم لا يمارسونه.
العلويون يقولون بالتقمص لاعتقادهم بأن لا عدل الهي من دون وجود للتقمص، في حين الشيعة لا يؤمنون به.
العلويون لايؤمنون بولاية الفقيه كما يؤمن معظم الشيعة
1 – عشائر العلويين
بسبب هجرة العلويين إلى الجبال الساحلية في سوريا، والتي توقفت تقريباً في خمسينات القرن الماضي، وبسبب ظروف القهر والاضطهاد والتخلّف والقمع التي عاشوها طوال قرون، فقد حرموا من آليات معرفيّة شتى من شأنها أن تنهض بهم فتجعلهم ينخرطون في العصر. بهذا المعنى لم تكن مرجعياتهم في ذلك الوقت مدنيّة إطلاقاً، بل هي إما عشائرية وإما قبليّة، ومن هنا يمكن أن نفهم الحضور الطاغي لزعيم العشيرة أو شيخها، وهو حضور بدأ ينحسر بعد الاستقلال بسبب ظهور الأحزاب والانخراط في الجيش والدولة، والتي بلغت أوجها بعد انقلاب الثامن من آذار عام 1964.
العشائر العلوية الأساسية في سوريا هي أربع، وهي
الخياطين : ومن وجهاء العائلات فيها : الخياط، العباس، زيدان، الحكيم.
الحداداين : ومن وجهاء عائلاتها ضرغام، خيربك، اليونس، الحامد، المحمود
المناورة: ومن وجهاء عائلاتها خضر، صالح العلي، الأحمد
الكلبية : ومن وجهاء عائلاتها الأسد خضور رسلان، اسماعيل كنجو ومهنا
ومن أشهر العلويين في العصر الحديث : الشيخ صالح العلي والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وابنه بشار الأسد بالإضافه إلى عدد من الكتاب والمفكرين كالشاعر أدونيس والشاعر بدوي الجبل والشاعر سليمان العيسى والشاعر والمسرحي ممدوح عدوان وسعد الله ونوس وغيرهم.
+ المزارات والأعياد
تعتبر زيارة المقامات و المزارات و من أهم الواجبات و الفروض الدينية عند العلويين. وهنا يمكنك الاطلاع علىقائمة بالمزارات العلوية المنتشرة في سوريا.
أما الأعياد فقائمتها عند العلويين أوسع منها عند بقية الطوائف، فقائمة أعيادهم، بالإضافة للأعياد التقليدية عند السنة فهي تشمل أعياد خاصة بهم مثل ليلة النصف من شعبان، واحتفائهم بمناسبة غدير خم، وكذلك الأمر بمباهلة السيد الرسول لنصارى نجران الذي يُطلق عليه شعبياً في المحيط العلوي بـ”عيد المباهلة، والنيروز، بالإضافة إلى احتفالهم ببعض الأيعاد المسيحية واليهودية من باب تقديس الشرائع المسيحية والموسوية.