عادة ما يُصاب البشر باضطرابات عقلية ذات طبيعة غريبة، وقد تكون أيضاً مجهولة الأسباب، وهو ما يُضفي عليها قدرا كبيرا مِن الغموض. وإليكم أغرب 10 اضطرابات عقلية يُمكن أن تصيب الإنسان.
توهم كابجراس (Capgras Delusion)
هي حالة يتوهم فيها المريض أن أحد أفراد عائلته أو أقاربه تمّ استبداله بشخص آخر يُشبهه، وهي حالة توهم مركّبة يقنع فيها المريض نفسه بأن التغيّر الذي أصاب هذا القريب يعود إلى استبداله بشخص آخر محتال أو شرير يملك ملامح مماثلة، وهو ما يفسّر الخوف الذي يستشري في المريض من هذا الشخص البديل على حد تفكيره.
هذه الحالة من التوهم غالباً ما تكون شائعة في مرضى الفصام “الشيزوفرينيا”، إلا أنها تظهر أيضاً لدى مَن يعانون الجنون أيضاً.
وقد سُمّيت هذه الحالة للتوهم على اسم عالم النفس الفرنسي جوزيف كابجراس Joseph Capgras ، مع العلم أن جنون الارتياب والشك المصاحب لهذه الحالة من التوهم تمّ تجسيده في العديد من كتب وأفلام الخيال العلمي؛ مثل: Total Recall و Invasion of the Body Snatchers و The Stepford Wives.
توهم فريجولي (Fregoli Delusion)
هي حالة توهم نادرة ومعاكسة تماماً لتوهم كابجراس؛ ففي حالة توهم فريجولي يتوهم الشخص أن جميع الأشخاص المحيطين به ليسوا إلا شخصا واحدا يتغيّر شكله أو يقوم بالتنكّر بطريقة متقنة للغاية، ويقوم بمطاردته وإزعاجه دائماً.
وعلى خلاف المتلازمات وحالات التوهم الأخرى لم تنسب هذه الحالة إلى طبيب أو عالم نفس، بل ارتبط اسمها بالممثّل الإيطالي ليوبولدو فريجولي Leopoldo Fregoli، الذي اشْتُهر ببراعته في تغيير مظهره بسرعة أثناء تمثيله على خشبة المسرح.
تمّ اكتشاف أوّل حالة تعاني هذا التوهّم في عام 1927؛ حيث لاحظ اثنان من الأطباء النفسيين هذه الحالة من التوهم على سيدة مريضة تبلغ من العمر 27 عاماً كانا يدرسان حالتها النفسية.
توهم كوتار (Cotard delusion)
هي في الحقيقة من أندر حالات التوهم التي قد يعانيها الإنسان، وفيها يتوهم الشخص؛ سواء أكان رجلا أو امرأة أنه ميت، وليس له وجود على الإطلاق، أو أنه يفقد دمه وأعضاءه الداخلية، أو أنه يتعفن تدريجياً، وفي بعض الحالات النادرة ارتبط هذه التوهم بتوهم آخر يتعلّق بفكرة الخلود.
ارتبطت هذه الحالة من التوهم باسم جوليوس كوتار Jules Cotard ، طبيب الأعصاب الفرنسي؛ حيث كان هو أوّل مَن لاحظ هذه الحالة، مُطلِقاً عليها في نفس الوقت اسم negation delirium أو “هذيان الإنكار”، وذلك في إحدى محاضراته في باريس عام 1880.
اعتلال الذاكرة المتكرر (Reduplicative paramnesia)
هو عبارة عن اعتقاد واهم لدى المريض أن المكان الواحد يمكن أن يتكرّر أكثر مِن مرّة، أو أنه يمكن أن يتواجد في مكانين أو أكثر في نفس الوقت، أو أنه نُقل من مكان إلى آخر متطابق تماماً، وهي معتقدات خاطئة حتماً، ولكن بالرغم من ذلك فإنها تدفع الشخص المريض إلى البحث بدأب عن أدلة يُثبت بها أنه ليس في عالمه الذي يعرفه وعاش فيه من قبل.
أوّل من استخدم مصطلح reduplicative paramnesia كان عالم الأعصاب الشهير “أرنولد بيك” من تشيكوسلوفاكيا، وكان ذلك في عام 1903؛ حيث استخدم المصطلح لوصف حالة إحدى مريضاته التي كان يشك أنها تعاني مرض ألزهايمر، والتي كانت مصرّة على أنها نقلت من عيادة “بيك” إلى مكان آخر مماثل في أحد الأحياء المألوفة بالنسبة لها، كما زعمت أن “بيك” وفريقه الطبي يعملان في المكانين في نفس الوقت
متلازمة ستوكهولم (Stockholm Syndrome)
متلازمة ستوكهولم ليست إلا استجابة نفسية تُبديها في بعض الأحيان الرهائن أو الأشخاص المختطفين؛ حيث يُمكن أن تُبدي الرهينة بعض علامات التعاطف، أو الإخلاص، أو حتى الإذعان التام بكامل الإرادة للمجرم أو المسئول عن الخطف، بغض النظر عن الخطر المحدق بالرهينة نتيجة هذا التعاطف أو الخضوع.
وقد تحدّث العلماء إلى وجود المتلازمة في حالات أخرى في الحياة بعيداً عن الخطف؛ حيث حضرت المتلازمة -المرتبطة بمفهوم الخضوع طواعية من قِبل الضحية لجلادها- في حالات لضرب الزوجات والاغتصاب والتعدّي على الأطفال.
ولكن ما سر تسمية المتلازمة بهذا الاسم؟ جاءت تسمية المتلازمة بهذا الاسم نتيجة لحادثة سطو مسلح على بنك في العاصمة السويدية (ستوكهولم)، واستطاع المجرمون الاحتفاظ بموظفي البنك كرهائن لمدة 6 أيام (من 23 وحتى 28 أغسطس 1973)، وخلال هذه المدة ارتبط الرهائن بعلاقة حُب وتعاطف مع الخاطفين، والمثير أنه بعد تحريرهم رفضوا الشهادة على الخاطفين أثناء المحاكمة، ولكن في النهاية أُدينت العصابة وحُكم عليها بالسجن، والمثير أن أحد أفراد العصابة تزوّج من امرأة كان يحتجزها ضمن الرهائن بعد أن خرج من السجن.
وهناك أيضاً مثال آخر بارز على متلازمة ستوكهولم، وهي قصة باتي هيرست -ابنة أحد الأثرياء- التي تمّ اختطافها في عام 1974 على يد عصابة، ومع الوقت نشأت علاقة تعاطف بين باتي وخاطفيها، لدرجة أنها شاركت معهم بعد ذلك في إحدى عمليات السرقة التي قاموا بها.
متلازمة ليما (Lima Syndrome)
هي على العكس تماماً مِن متلازمة ستوكهولم؛ فوفقاً لهذا الاضطراب العقلي يتعاطف الخاطف أو المجرم مع حاجات ومصائب الرهائن الذين يحتجزهم.
تسمية المتلازمة بهذا الاسم، جاءت بعد حادثة احتجاز رهائن في السفارة اليابانية في العاصمة البيروفية “ليما”؛ حيث قامت حركة MRTA الثورية المسلّحة باحتجاز مئات الأشخاص كرهائن كانوا يحضرون حفلاً في المقر الرئيسي لسفير اليابان في بيرو، وكان مِن بين الرهائن دبلوماسيون ومسئولون حكوميون وعسكريون ومدراء تنفيذيون لشركات كبرى من عدة جنسيات، واستمرّت عملية الاحتجاز من 17 ديسمبر 1996 وحتى 22 إبريل 1997، والمثير أنه بعد بضعة أيام على العملية قام الخاطفون بإطلاق سراح معظم الرهائن بدون النظر إلى أهمية كل فرد من الأفراد المحتجزين، وما يمكن أن يمثّله كورقة ضغط أثناء التفاوض، وكان مِن بينهم الشخص الذي تولّى رئاسة بيرو بعد ذلك، وأيضاً والدة الرئيس البيروفي وقتها.
وبعد أشهر كاملة من مفاوضات غير ناجحة، تمّ تحرير جميع الرهائن بعد أن قامت القوات الخاصة البيروفية بعملية خاصة لتحريرهم، ولم يُقتل سوى شخص واحد في هذه العملية الخاصة.
متلازمة ديوجين (Diogenes Syndrome)
ديوجين هو فيلسوف إغريقي، اعتاد العيش في برميل نبيذ، واشْتُهر باعتناقه ودعوته لمبادئ خاصة بالمذهبين الفلسفيين العدمية والحيوانية، كما اشْتُهر بحكايته الطريفة مع “الإسكندر الأكبر”؛ حيث يقال إنه بينما كان ديوجين يستريح في ضوء الشمس أثناء أحد الاحتفالات، أتاه الإسكندر الأكبر متحمّساً للقائه، وسأله إن كان باستطاعته أن يقدّم له أي خدمة، فردّ عليه ديوجين، قائلاً: “نعم.. ابتعد فأنت تحجب عني ضوء الشمس”، ورغم الإحراج قال الإسكندر: “لو لم أكن الإسكندر.. لوددت أن أكون ديوجين!”.
ارتباط المتلازمة باسم ديوجين مرتبط بمفهوم الإهمال الحاد للذات، والميل للعزلة بشكل متطرّف، كما أنه مصاحب لرغبة عارمة في الامتلاك وغالباً ما تكون للحيوانات، كبار السن هم الأكثر عرضة للإصابة بالمتلازمة، والتي تكون في العادة مصحوبة بانهيار جسدي أو عصبي أو عقلي مرتبط بالخرف.
وفي حقيقة الأمر أن مَن قام بتسمية المتلازمة وقع في خطأ متعلّق بالاسم وربطه بالفيلسوف ديوجين الذي مِن المؤكّد أنه كان يعيش حياته زاهداً ومنعزلاً، ولكن لا توجد أي أدلة على أن أهمل متعمّداً في الحفاظ على صحته.
متلازمة باريس (Paris Syndrome)
متلازمة باريس هو اضطراب يُصاب به اليابانيون فقط، ويُؤدّي إلى حدوث انهيار عقلي أثناء زيارتهم للعاصمة الفرنسية؛ فمن بين الملايين من السائحين اليابانيين الذي يزورون باريس سنوياً، يصاب بتلك المتلازمة العشرات منهم، إذ يعانون تعبا ويضطرون على إثره العودة إلى وطنهم.
المتلازمة ليست إلا تجسيد للصدمة الثقافية التي قد يصاب بها البعض؛ فباريس مرتبطة في عقول اليابانيين بصورة مثالية راقية طالما قاموا برسمها للمدينة منذ صغرهم نتيجة للأفلام السينمائية الكثيرة التي شاهدوا فيها جمال المدينة وحضارتها العريقة، ولكن عندما يقومون بزيارتها على أرض الواقع يتعرّضون لصدمة ثقافية نتيجة لمشاهدتهم صورة مغايرة تماماً تتسم بالسرعة والنشاط والحداثة والصخب والضجيج، وهي صورة مختلفة تماماً عما قاموا برسمه في مخيلتهم للمدينة، كما أن الصدمة تزداد مع التعامل مع الفرنسيين أنفسهم الذين يختلفون تماماً عن اليابانيين من ناحية السلوك.
متلازمة باريس كانت أحد أهم أسباب قيام السفارة اليابانية بعمل خط ساخن على مدار الساعة لتلقّي الاتصالات من السائحين اليابانيين الذين يعانون تلك الصدمة الثقافية الحادة، كما تُوفّر لهم إمكانية العلاج في مستشفيات خاصة إذا ما اقتضى الأمر ذلك.
متلازمة ستندال (Stendhal Syndrome)
متلازمة ستندال ليست إلا مرضا نفسيا يُصاب به بعض الأشخاص، ويتسبّب في تسارع ضربات القلب والدوّار والارتباك والإغماء، وأيضاً الهلوسة عندما يشاهد الشخص أي صورة جمالية فنية راقية، خصوصاً إن كان هذا الفن يتسم بقدر عالٍ من البراعة والجمال ومتواجدا في مكان أو موضع واحد، كما يُستخدم نفس المصطلح أحياناً للتعبير عن ردة الفعل التي تحدث عندما يفرّط الشخص في القيام بأمر ما، أو التعرّض لشيء ما باختياره في ظروف مختلفة، كأن يفرّط الشخص في الوقوف منبهراً لمدة طويلة أمام منظر طبيعي مدهش.
تسمية المتلازمة ارتبطت بالكاتب الفرنسي “ماري هنري بيل” المعروف باسم “ستندال” الذي عاش في القرن التاسع عشر؛ حيث قام بعمل وصف تفصيلي لتجربته المليئة بالإعجاب والانبهار أثناء زيارته لمدينة “فلورنسا” الإيطالية في عام 1817 في كتابه Naples and Florence: A Journey from Milan to Reggio، وهي الرحلة التي شهدت حالة انبهار مفرط من الكاتب الفرنسي.
متلازمة القدس (Jerusalem Syndrome)
متلازمة القدس هي اسم يُعبّر عن مجموعة من الظواهر أو الاضطرابات العقلية مرتبطة بظهور أفكار دينية معيّنة تستحوذ على عقل الشخص بالكامل، أو ترتبط بأوهام تظهر عند زيارة القدس، أو قد تُؤدّي لنشوء رغبة ملحة لزيارتها.
هذه المتلازمة غير مرتبطة بطائفة محددة أو اتّباع دين معين، وتبدأ هذه المتلازمة في الظهور في أغلب الأحيان عند زيارة مدينة القدس، وهو ما يُسبب للشخص التعرّض للعديد من الأوهام العقلية، والتي لا تزول إلا بعد مضي عدة أسابيع.
جميع مَن تعرّضوا للأوهام المرتبطة بمتلازمة القدس كان لديهم سجل سابق يشير إلى تعرّضهم لأمراض عقلية من قبل، أو أنه كان من الملاحظ عليهم أنهم ليسوا على ما يرام قبل زيارة المدينة.