معلومات ربما لا تعرفها عن بدايات الحياة على كوكب الأرض (الجزء الأول)
المصدر الذي نستقى منه إلى حد كبير معلوماتنا عن الحياة قبل ابتداء المحافظة على الذكريات والتقاليد الإنسانية الأولى هو الآثار والحفريات التي خلفتها الكائنات الحية في الصخور الطباقية. ذلك بأن الطفل والإردواز والحجر الجيري والرملي كلها تحتفظ لنا بالعظام والأصداف والألياف والجذوع والفواكه وآثار الأقدام والخدوش وما إليها، ومعها آثار المد والجزر منذ أقدم العصور، والخدوش التي أحدثتها أقدام الأمطار، وقد تم لنا جمع التاريخ القديم لحياة الأرض فلذة بعد فلذة بطريق الفحص المضني عن هذا السجل الحجري. وذلك أمر يعد اليوم من المعلومات العادية، ولكن الصخور الطباقية (الرسوبية) لا ترقد طبقة فوق طبقة بنظام دقيق أنيق، بل إنها تغضنت والتوت وتبعثرت وتعوجت ثم اختلطت على نحو ما يصيب صحف مكتبة منيت مرارا وتكرارا بالنهب والحرق، ولذا فلم يتسن تنظيم هذا السجل وقراءته إلا بعد أن استنفدت في سبيل ذلك أعمار كثيرة تفانى أصحابها في الإخلاص لذلك العمل. يوقدر المدى الزماني الكامل الذي يمثله سجل الصخور ببليون وستمائة مليون سنة 1.600.000.000 سنة.
والجيولوجيون (علماء طبقات الأرض) يسمون أقدم صخور ذلك السجل السجري باسم الصخور “الأزوية Azoic” أي التي لا يبدو فيها أي أثر للحياة. وتوجد مساحات مترامية من هذه الصخور الأزوية عارية جرداء في شمال أمريكا، وهي بدرجة من السُمك جعلت الجيولوجيين يقدرون عمرها بما لا يقل عن نصف عمر السجل الجيولوجي بأكمله. وإني لمكرر على مسامعكم هذه الحقيقة الخطيرة: وهي أن نصف الحقبة الزمنية العظمى التي انقضت منذ أن تمايز اليابس والماء لأول مرة على ظهر الأرض، لم يخلف لنا أي أثر للحياة، حقا لا تزال توجد على تلك الصخور آثار تموجات الماء وخدشات الأمطار، ولكن ليس بها دلالات ولا آثار لأي كائن حي.
فإذا صعدنا درجات السجل بعد ذلك، بدت علامات الحياة الماضية وأخذ عددها يتزايد، ويسمى الجيولوجيون هذا العصر من حياة العالم الذي نجد فيه هذه الآثار الغابرة باسم الزمن الباليوزوي palaeozoic السفلي.
وأول الدلالات على وجود الحياة، الآثار والرفات الباقية لكائنات بسيطة ودنيئة نسبيا، مثل أصداف محارية صغيرة وجذوع لحيوانات نباتية، ورؤوس لها تشبه الأزهار وأعشاب بحرية، وآثار لحركات ديدان البحر والقشريات وبقايا لها. وتظهر منذ زمن مبكر جدا مخلوقات معينة تكاد تشبه قمل النبات، وهي كائنات زاحفة لها قدرة على تكوير نفسها، كما يفعل قمل النبات، وتسمى التريلوبيت أي المثلثة الفصوص. وبعد ذلك ببضعة ملايين من السنين تظهر أنواع معينة من العقارب البحرية، وهي كائنات ألين حركة من كل ما شهده العالم من قبل من كائن حي وأكثر كفاية وقدرة.