يتساءل جيجك: «ما الذي نعنيه عندما نقول ان المرء يؤمن؟» ويضيف «هذا هو محور اعمالي كلها».
في كتاباته عن الايديولوجيا، يقدم جيجك مراجعة اساسية للتعريف الكلاسيكي للايديولوجيا يختصر بهذه المعادلة «انهم يجهلون عواقب اعمالهم ومع ذلك فهم يمارسونها». والمعني ان البشر ينساقون بسذاجة مع مسار الرأسمالية غافلين عن كونهم مستغَلّين. يعتقد جيجك ان هذا التعريف الماركسي التقليدي للايديولوجيا يعبّر عن آليات تشغيل المجتمع، الا إنه لا يساعدنا كثيرا على فهم سلوك الافراد. ذلك ان الايديولوجيا تشتغل على مسارات الافراد الغرائزية والنفسانية فمن الاهمية بمكان ان نتوصل الى صياغة نظرية لتلك المسارات.
ينطلق جيجك من ان تعريف المفكر بيتر سلوترجيك للايديولوجيا «انهم يعرفون تماما ما هم فاعلون ومع ذلك فإنهم يفعلونه». هذا التعريف يقلب التعريف الماركسي التقليدي رأسا على عقب لأنه يؤكد ان الشكل الغالب للايديولوجيا ليس هو الوعي الزائف وانما هو التشكيكية او «مفارقة وجود وعي زائف لكنه متنوّر». يدرك البشر تمام الادراك انه توجد ايديولوجيا كونية غالبة تخدعهم، وتستغلهم، وما شابه، لكنهم لا يتخلّون عنها. فلسان حال الكائن المتشكك انه ما دام ان الاثراء والسرقة يحميهما القانون فلا جدوى من معاكسة السلطة.
غير ان العقل التشكيكي لا يأخذ في الاعتبار أهمية «التخييل الايديولوجي»، اي المستوى حيث الايديولوجيا تتولى فيه تنظيم الواقع الاجتماعي ذاته. فيؤكد جيجك ان الوهم الايديولوجي لا يتم على مستوى الفكري او المعرفي بقدر ما يتم على مستوى الفعل. والسؤال، بعبارة اخرى، هو: اذا كان البشر يدركون انه لا يوجد شيء سحري بشأن المال وانهم على الارجح يتعرضون للاستغلال خلال عملية التبادل بين السلع والمال، فلماذا يستمرون في ممارسة هذا النشاط المجتمعي (اي في «الفعل»)؟. يجيب جيجك بهذه العبارة «انهم تميميون في الممارسة وليس في النظرية». والوهم التميمي كامن في عملية تبادل السلع بما هي نشاط مجتمعي، على ما يبيّن ماركس. ويضيف جيجك «ما الذي يجهله الناس هو ان واقعهم المجتمعي ذاته، نشاطهم، يسوقه وهمٌ، ويقوده إنقلاب تميمي». اي ان الناس عاففلون عن الوهم الناظم لنشاطهم المجتمعي الحقيقي.
يستخدم جيجك النادرة التالية للتمثيل على هذه الفكرة. يروي قصة عن العالم الدانماركي نييلس بوهر. يزوره صديق في منزله الريفي فيجد حدوة حصان فوق مدخل البيت، فيسأل الصديق بوهر ما اذا كان يؤمن بمثل تلك الخرافات. يجيبه بوهر «طبعا اني لست اؤمن بها. لست أبله»، فيأتيه السؤال: «ولكن لماذا تحتفظ بالحدوة؟». فيجيب «اني أحتفظ بها لأنها تفعل فعلها مع أني لا أؤمن بها». فيعلّق جيجك «هذه هي الايديولوجيا في أيامنا. لسنا نؤمن بالديمقراطية اليوم، نسخر منها، ولكننا بطريقة ما نتصرّف وكأنها تؤدي غرضها»، ولكننا اذا استقينا المفهوم الكلاسيكي للايديولوجيا، حيث الوهم يقع في ميدان المعرفة، سوف يبدو مجتمعنا المعاصر على انه مجتمع بعد ايديولوجي لأن ما من احد يأخذ الايديولوجيا على محمل الجد. غير ان البعاد التشكيكي هو في نهاية المطاف الطريقة التي بها نعمي أنفسنا عن «الطاقة التنظيمية للمخيّلة الايديولوجية»، ولكن حتى لو أبقينا المسافة الساخرة التشكيكية بيننا وبين الاشياء، فإننا لا زلنا «نفعلها».