جميعا نعلم خيال ألبرت الواسع الذي إعتمد عليه في نظريته النسبية و قوة تجاربه العقلية التي تبرهن أنه لم لكن يفكر بطريقة نمطية عادية بل يقول عن نفسه : “لم يكن أي من اكتشافاتي نتيجة لتفكير منطقي”.
تعتبر نظرية النسبية العامة هي النظرية التي وصفها ألبرت للتعامل مع الجاذبية حيث قدمها لتوافق مابين النسبية الخاصة و قانون الجذب العام لنيوتن ..فمثلا ,لطالما ظل أسلافنا من البشر يظنون أن الأرض ساكنة لا تتحرك حتى جائت زمرة من الفيزيائيين ليرصدوا حركتها بالنسبة للكواكب و النجوم , و لو لم يكن في الفضاء جرم واحد لما توصلنا لحركتها خصوصا بعد تجربة الأثير الصادمة.
حسنا سنبدأ ببساطة …جميعنا سبق لنا ان ركبنا سيارة .. و عندما تكون السيارة متسارعة نحس أننا نرجع وننضغط للوراء, أو عندما تأخذ السيارة منعطفا فإننا نشعر بوجود قوة تدفعنا إلى جانب السيارة حسنا فما هي القوة؟ حسب الفيزياء فأن هذه القوة (الطرد المركزية) ماهي إلا قوة زائفة فهي ليست قوة خارجية مسلطة على جسم بل هي فقط نتيجة لتسارع سيارة و قصور ذاتي للجسم .. حيث يرتبط مقدار هذه القوة نسبيا بكتلة الجسم الذي يخضع للتسارع.
بدأت النسبية العامة بملاحظة أولية من ألبرت عندما رأى أن كمية -الكتلة- الموجودة في القانون الثاني لنيوتن تساوي نفس الكمية الموجودة في قانون الجذب العام … و توصل لمبدأ مهم سنلخصه في التجربة الذهنية التالية:
حسنا فلنتخيل وجود غرفة في الفضاء بعيدا عن جاذبية أي جرم سماوي .. و أن هذا الغرفة مربوطة إلى عمود رأسي تدور حوله بسرعة ثابتة مع شرط عدم وجود نافذة أو باب تسمح لك برصد حركة هذه الغرفة عن طريق إتخاذ مصدر خارجي .. حسنا إجلس في هذه الغرفة وعش حياتك بشكل عادي . إنك كلما حاولت القفز عاليا ستعود إلى أرض الغرفة و إذا رميت جسما فأنه سيسقط كذلك .. ماذا لو كنت رياضيا بارعا وقمت بالحسابات ستستنتج بشل طبيعي أن أرض الغرفة تسلط قوة جذب على الأجسام داخلها و ستفرح بنتيجتك , حسنا لا تفرح فأنا كراصد خارجي سأرى ان حساباتك خاطئة تماما فالقوة التي تخضع لها ليست جاذبية بل قوة الطرد المركزية ,هذا التشابه الكبير يسبب صعوبة في التفريق بينهما , ويسمى هذا المبدأ بمبدأ التكافؤ .
هذا المبدأ عادي بالنسبة لنا و حتى بالنسبة لمعاصري أينشتاين لكنه مهد الطريق لألبرت لفهم الجاذبية بشكل جيد بالإعتماد على نتائج تجاربه الذهنية على الحركة المتسارعة .. فهل تؤثر الجاذبية على فهمنا للزمكان ؟
حسنا فلنتخيل غرفة كبيرة في الفضاء بعيدا عن جاذبية أي جرم سماوي تحرك بسرعة ثابتة نحو الأعلى و أنت تقف في جانب لهذه الغرفة وتحمل في يدك مصباحا موجها إلى الحائط المقابل لك ماذا سيحدث , سنلاحظ بسهولة وصول الضوء إلى نفس النقطة من الجدار المقابل أي ان الضوء إتخذ مسارا مستقيميا . حسنا في الحالة الثانية تخيل لو أن هذه الغرفة بدأت تتسارع ماذا سيحدث لشعاع الضوء .؟ سوف يصل إلى نقطة أسفل بقليل من النقطة التي يتوجب أن يصل إليها و كأنه إتخذ مسارا منحنيا وكلما تسارعت لما وصل إلى نقطة أسفل من النقطة السابفة ..حسنا ما ملخص هذه التجربة : التسارع سبَّبَ إنحناء للمسار المستقيمي الذي يتخذه الضوء ..ومع ان ذلك المسار ما هو إلا حيز في الزمكان فنستطيع أن نقول أن الحركة المتسارعة سببت إنحناءا في الزمكان ..وماهو إنحناء الزمكان ؟
ألبرت في صغره تعلم الهندسة الإقليدية التي تعلمناها جميعا في المدرسة لاكنه وجد انها لا تخدمه في صياغته للنسبية العامة, كيف ذلك ؟ نعلم جميعا أن مجموع زوايا مثلث قمت برسمه على ورقتك يساوي 180 درجة ,لاكن عندما نرسم مثلثا على سطح الأرض فمجموع زواياه لا تساوي 180 درجة لأن سطح الأرض كروي و ليس مستويا .. هذا الأمر جعل ألبرت يعتمد على هندسة عالم الرياضيات ريمان لدراسة إنحناء المكان , فصاغ ألبرت هذه الهندسة لتخدم أبعاده الأربعة عوض الثلاثة التي قدمها ريمان فيما قبل . لطالما درسنا قانون نيوتن عن التجاذب الكوني لكننا لم نعلم سبب الجاذبية فما هو ؟ …بالرجوع إلى نتيجة آخر تجربة ان الحركة المتسارعة تسبب إنحناءا في الزمكان و بإعتماد مبدأ التكافؤ ,نستنتج أن الجاذبية نفسها تسبب إنحناء الزمكان , وبصيغة أخرى ما الجاذبية إلى أنحناء للزمكان ..لم تستوعب ؟
ببساطة قم بحمل غطاء فراشك من جهة و الجهة الأخرى يمسكها صديقك , جيد ضع الآن كرة قدم وسط الغطاء ماذا ستلاحظ ؟ ستلاحظ لأول وهلة وجود انحناء للغطاء حول الكرة لأن كتلتها سببت هذا الإنحناء , قم بجعل كرة أخرى تسير بسرعة منتظمة متناسبة مع أنحناء الغطاء, ستكون النتيجة ببساطة دوران تلك الكرة بسرعة منتظمة حول الكرة الاولى .. هكذا بين ألبرت كيف تعمل الجاذبية و أنها نتيجة لإنحناء الزمكان بسبب كتلة الشمس مثلا ..
ألبرت تنبأ أيضا بإنحراف الضوء بسبب هذا التحدب في الزمكان, ولم يقبل إدعائه لأنه باعتماد قانون الجذب العام لنيوتن فأن الضوء (الفوتون) لا يجب أن ينحرف لأن لا كتلة له , أما إن أنحرف فهذا بسبب تحدب في الزمكان.. وقد تم التأكد من هذا التنبأ بواسطة تجربة سنة 1919 قام بها إدينجتون الأنجليزي , بعد ان رصد نجما في الليل ورصده نهارا عندما كان النجم نفسه خلف الشمس خلال كسوف كان تلك السنة , وكان دليلا قويا على تحدب الزمكان .
حسنا هل تؤثر الجاذبية على الزمن ..؟ لنتخيل ان هناك صاروخ في الفضاء ينطلق بحركة تسارعية. وتوجد في ارضية الصاروخ وفي سقفه ساعتان متماثلتان تماما وتعملان بنفس الكيفية. ثم ستجلس أنت في سقف الصاروخ لتراقب كيف تعمل الساعتان. ولنتخيل ان كلتا الساعتين ترسلان ومضة ضوئية كلما عملت تكة. اذن فعليك ان ترصد الفارق الزمني بين ومضتي ضوء متتاليتين قادمتين من اسفل وتقارنه بالفارق الزمني لتكات الساعة الموجودة بجوارك في سقف الصاروخ. لكن حيث ان سقف الصاروخ يتحرك بعجلة تسارعية الى اعلى فأن سقف الصاروخ يبتعد دائما عن شعاع الضوء القادم من اسفل. وبناء عليه ستلاحظ ان الفارق الزمني بين ومضتي ضوء قادمتين من اسفل اكبر من الفارق بين تكات الساعة الموجودة بجوارك وسوف نستنتج ان الساعة الموجودة في اسفل الصاروخ تؤخر.
ولو فرضنا ان هناك راصد اخر يقف على ارضية الصاروخ ويراقب الساعة الموجودة في السقف فماذا سوف يرى؟ نفس الشئ ولكنه سوف يرى ان الساعة الموجودة في السقف تعمل بشكل اسرع من الساعة الموجودة بجواره.لماذا؟ لان الشعاع القادم من السقف يقطع دائما مسافات اقل لان ارضية الصاروخ تتحرك بعجلة الى اعلى لتقابل شعاع الضوء القادم من فوق.
مع ملاحظة : (وجود فارق كبير بين تأخير الزمن في النظرية النسبية العامة عنه في النظرية النسبية الخاصة سنشرحه لاحقا )
حسنا تأثير التسارع يساوي تأثير الجاذبية ,الجاذبية هي تحدب في الزمكان, الجاذبية تؤثر على الزمن, الجاذبية تؤثر على مسار شعاع الضوء هل هذا كل شيء ..؟ لا لا , ألبرت قدم في سنة 1915 الصيغة النهائية لعشر معادلات تصف هذه التأثيرات التي توصل إليها مع العلم أن العالم شوارتزشيلد توصل لحل بسيط لهذه المعادلات يصف فيه ما يحدث للنجوم ضخمة الكتلة عندما تنهار على نفسها بسبب قوة الجاذبية مخلفة ما نسميه الأن ثقبا أسودا بحيث تكون جاذبيته عالية جدا حتى الضوء لا يستطيع الهروب منها إذا بلغ حد شوارتزيشيلد , مع التذكير أن حلول هذه المعادلات الغير خطية أمر صعب لعدة حالات كذلك تتنبأ بوجود امواج تنتششر كإضطرابات في الزمكان و قامت بتفسير الشذوذ في حركة عطارد.
من المفارقات أن هذه النظرية التي تتميز بتجاربها العقلية و التي ألفت فيها عشرات الكتب و التي أعطتنا تنبؤات رائعة و التي أمضى فيها ألبرت أكثر من 11 سنة تقريبا في صياغتها ليست السبب في فوزه بنوبل بل بمساهمته في تفسير التاثير الكهروضوئي .. هذه النظرية لازالت إلى حد الآن توافق التجربية وكل ما نرصده في دراستنا للأجرام و الجاذبية , ورغم توصل الفيزيائيين لنظرية موحدة إلا أن ألبرت قدم لنا مفهوما أفضل بمراحل عن كوننا من أجل أن نتعامل معه مستقبلا بطريقة غير تقليدية .
المصدر: الباحثون المغاربة