من هو عقبة بن نافع ؟
عاش مجاهدا وفاتحا، ومات شهيدا وبطلا، هو ابن لأحد المسلمين الأوائل الذين جاهدوا في سبيل الله، فشب وحب الجهاد يجري في عروقه، متمنيا أن يكون أحد أبطال مكة وفرسانها، فتعلم المبارزة، وتدرب مع الشباب المسلم على حمل السلاح، وازداد شغفه للجهاد من سماعه لقصص البطولة، التي قام بها المسلمون أثناء حروبهم ضد أعداء الإسلام، والتي قصها عليه ابن خالته عمرو بن العاص رضي الله عنه.
هو عقبة بن نافع بمن عبد القيس الفهرى، ولد قبل الهجرة بسنة، وكان أبوه قد أسلم قديماً، لذلك فقد ولد عقبة ونشأ في بيئة إسلامية خالصة، وهو صحابي بالمولد، لأنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يره.
عندما اشتد عوده رضي الله عنه وبلغ مبلغ الشباب، أصبح يجيد المبارزة وكل فنون الحرب والقتال، منتظرا اللحظة المواتية ليدافع عن دين الله، وجاءت الفرصة عندما أسند الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتح بعض بلاد الشام إلى عمرو بن العاص، الذي جعل عقبة في مقدمة الجيش، ورغم أنه لم يكن قد بلغ بعد سن العشرين، إلا إنه أظهر مقدرة بطولية على اختراق صفوف الأعداء، ونجح نجاحًا كبيرًا في أول امتحان له في الجهاد في سبيل الله.
من مصر إلى فزان
واشترك هو وأبوه “نافع”، في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأظهر عقبة تفوقًا ملحوظًا، واستطاع بمهارته الحربية أن يساعد في هزيمة الروم، ثم أسند بن العاص إليه مهمة قيادة مجموعة محدودة من الجنود، يسير بهم لفتح فزان (مجموعة الواحات الواقعة في الصحراء الكبرى شمال إفريقيا).
انطلق عقبة وكله أمل ورجاء في النصر على أعدائه، وعندما وصل عقبة إلي فزان دارت معارك عنيفة بين البربر والمسلمين، أظهر فيها بطلنا شجاعة نادرة حتى اندحر البربر من أمامه ورفعوا راية الاستسلام، وأراد عمرو بن العاص فتح إفريقية كلها، لكنه كان في حاجة إلى عدد كبير من الجنود، فبعث إلى الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يستأذنه في فتحها، لكن الخليفة رأى الانتظار عدة سنوات، حتى يرسخ المسلمون في مصر أقدامهم وتثبت إمارتهم، ويزداد جيش المسلمين ويقوى عدة وعتادا.
وعندما عاد ابن العاص رضي الله عنه إلى مصر، أرسل عقبة إلى برقة (منطقة برقة في ليبيا)، حتى ينشر الإسلام هناك ويعلم المسلمين أمور دينهم، فأسلم على يديه كثير منهم، وأحبوه حتى استطاع عقبة رضي الله عنه، أن يكتسب خبرة واسعة بكل أحوال البربر.
فتوحات متواصلة:
ظل عقبة في برقة خلال عهدي عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب رضي الله عنهما، ونأى بنفسه عن أحداث الفتنة التي وقعت بين المسلمين، وجعل شغله الشاغل الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام بين قبائل البربر، حتى كانت سنة (40هـ) وهي السنة التي تولي فيها معاوية بن أبي سفيان الخلافة، وحين أراد عمرو بن العاص أن يستكمل الفتوحات الإسلامية، التي كان قد بدأها في برقة، رأى أن خير من يقوم بهذه الفتوحات عقبة بن نافع، لخبرته بأمور البربر وتقاليدهم.، وهنا بدأت حملة جهادية قوية وجديدة لمواصلة الفتوحات الإسلامية، التي توقفت حركتها أثناء الفتنة.
فأرسل الخليفة جيشا جرارا إلى عقبة قوامه عشرة آلاف جندي، وكان في انتظاره جيش آخر من البربر الذين أسلموا فحسن إسلامهم، ليخوض بهم معارك طاحنة، دون أن يقتل شيخا ولا طفلا ولا امرأة، واستطاع السيطرة على منطقة (ودان)، وبعدها قام بالسيطرة على (فزان) التي تمردت.
على وشك الهلاك:
اتجه عقبة بعد ذلك ناحية مدينة (خاوار)، التي كانت تقع على قمة جبل شديد الارتفاع، ولما تعذر على جيش عقبة دخولها، بعد تحصن أهلها داخلها، فتجلت عبقرية عقبة العسكرية، حيث تراجع بعيدا عن المدينة، فظن أهلها أنه الجيش قد انسحب، لكنه كان قد سلك طريقا آخر للوصول إلى المدينة ، لكن شاءت الأقدار أن يكون هذا الطريق لم يسلكه أحد من قبل، وليس فيه عشب ولا ماء، وكاد جيش عقبة يموت عطشًا، فاتجه إلى الله يسأله ويدعوه أن يخرجه من هذا المأزق الخطير.
المعجزة:
ولم يكد يفرغ من دعائه، حتى رأى فرسه يضرب الأرض برجليه بحثًا عن الماء من شدة العطش، فاستجاب الله دعاء عقبة وانفجر الماء من تحت أقدام الفرس، وكبَّر عقبةُ ومعه المسلمون، وأخذوا يشربون ويرتون، وأمر عقبة جنوده بأن يحفروا سبعين حفرة في هذا المكان علَّهم يجدون ماء عذبًا، وتحققت قدرة الله وأخذ الماء يتفجر من كل حفرة يحفرها المسلمون، ولما سمع البربر المقيمون بالقرب من هذه المنطقة بقصة الماء، أقبلوا من كل جهة يشاهدون ما حدث، واعتنق عدد كبير منهم الإسلام.
بناء القيروان:
حينئذ عاد عقبة إلى مهمته، فانطلق إلى ” خاوار” ودخلها وجنوده ليلا، ثم شرع في اختيار مكان يعسكر فيه المسلمون، وهي الفكرة التي تطورت إلى بناء مدينة في مكان كثيف الأشجار يسمي “قمونية”، أسماها بن نافع فيما بعد القيروان .