مفهوم الأيديولوجيا بين ماركس ولينين – د. محمد عجلان (2)
يقول ماركس: “إن أفكار الطبقة السائدة هى فى كل عصر الأفكار السائدة أيضا، بمعنى أن الطبقة التى تمثل القوة المادية فى المجتمع هى فى الوقت ذاته القوة الفكرية السائدة. إن الطبقة التى تتصرف بوسائط الإنتاج المادى تملك فى الوقت ذاته الإشراف على وسائط الإنتاج الفكرى، بحيث أن أفكار أولئك الذى يفتقرون إلى وسائط الإنتاج الفكرى تخضع من جراء ذلك لهذه الطبقة السائدة ([1]).
فالأفكار نتيجة جدلية لعلاقات الإنتاج، فهناك تطابق بنيوى بين السيطرة المادية والسيطرة الفكرية، فلا سيطرة مادية (اقتصادية) دون السيطرة الفكرية. لذلك يجب أن تتأمن الهيمنة على أدوات السيطرة الفكرية كى تتمكن الطبقة المسيطرة من إعادة إنتاج شروط إنتاجها، أى أيديولوجيتها ونظرتها إلى الحياة. الأيديولوجيا وفقاً لذلك هي وعي الطبقة المسيطرة على الواقع وتصورها هذا الواقع تبعاً لمصالحها وموقعها الاجتماعي ([2]).
وبهذا المعنى، فإن الأيديولوجيا كما طورها ماركس تمثل أفكاراً زائفة فيما يتعلق بالواقع طالما أنها تعكس مصالح لطبقات معينة، وتصبح عاملاً محدداً للوجود الإنساني، وقد جعلت هذه الأيديولوجيا الوعي سلبياً زائفاً ([3]). ويرى ماركس أن الأيديولوجيا والفلسفة يتجهان إلى عرض الأفكار ذاتها كأنها قوى متحكمة قادرة على توجيه وتحديد العلاقات السياسية والاقتصادية بين الأفراد، إلا أن الصورة التى تُعرض بها القضايا الأيديولوجية تخفى مضمونها الحقيقى، وهى فى واقع الأمر لا تعدو أن تكون مظهرا للتضليل اللغوي([4]) اللازم للدعوة إلى أية نظرية أيديولوجية. والواقع أن الأيديولوجيات فى نظر ماركس ليست سوى انعكاسات لقوى أخرى متحكمة، تقوم هى ذاتها بالمهمة الأساسية فى إحداث أى تغيير اجتماعى حقيقى. ويطلق ماركس على هذه العلل التنفيذية أو الفاعلة للتغيير الاجتماعى اسم العلل، وذلك إيضاحاً للتقابل بينها وبين نواتجها العرضية الأيديولوجية ([5]).
وهكذا جاءت معالجة ماركس للأيديولوجيا من خلال تتبعه لتاريخ الصراعات الطبقية فى المجتمعات الرأسمالية. والحقيقة أن ماركس لم يقدم تعريفاً واحداً للأيديولوجيا، بل قدم عدة تعريفات، ومنها أن الأيديولوجيا هي مجموع الأفكار والتصورات الواعية التى تنتجها الطبقة الحاكمة Ruling Class عن الواقع المجتمعي، والتي تتفق مع مصالحها الخاصة. ويعرفها فى أحيان أخرى بأنها وعي زائف من جانب العامة تتعلق بالواقع وتعكس مصالح خاصة لطبقات معينة مسيطرة. وعلى أى حال فقد وسع ماركس من مفهوم الأيديولوجيا بالدرجة التى يمكن أن يستوعب معها التاريخ الإنسانى بأكمله ([6]).
المصادر:
(1) كارل ماركس وفريدريك أنجلز: الأيديولوجية الألمانية، ترجمة فؤاد أيوب (دمشق : دار دمشق، 1976) ص: 56.
(2) عبد الغنى عماد: سوسيولوجيا الثقافة، المرجع سابق، ص:68.
(3) سعد عيد مرسى بدر: الأيديولوجيا ونظرية التنظيم، مدخل نقدى (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1990) ص: 7.
(4) اللغة هي أداة أيديولوجية بامتياز، ففي الخطاب الأيديولوجي تتحول اللغة من معناها الدلالي لممارسة وظيفة إيحائية، حيث تعتبر الوسيلة الأولى القادرة على تعبئة النفوس وتجنيد العقول، وهى الأداة القادرة على الإقناع وعلى الإيهام بسلطة العقل والحقيقة، ذلك أن الأيديولوجيا وإن كانت تتجلى فى أشياء ورموز وأفعال ومؤسسات واعتقادات وتخيلات، فإن القناة الرئيسية التى تتسرب عبرها وتعبر من خلالها ضمن كل هذا الأدوات تظل هي اللغة. فمن خلالها تفرض الأيديولوجيا نفسها وتوفر على السلطة (القائمة أو الطامحة) استعمال العنف السافر، ما دام العنف الرمزي يفعل فعله الاستقطابى والإقناعى. وكما يبرز ذلك هابرماس، فإن اللغة تلعب دوراً كبيراً في تكريس السيطرة وتعميم الأوهام وتدعيم النظام الاجتماعي. انظر في ذلك: محمد سبيلا: الأيديولوجيا نحو نظرة تكاملية، مرجع سابق، ص: 158.
(5) هنري أيكن: عصر الأيديولوجية، ترجمة فؤاد زكريا (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1963) ص: 24.
(6) سعد عيد مرسى بدر: الأيديولوجيا ونظرية التنظيم، مرجع سابق، ص: 8.